top of page

عن نظرية التغيير

تمت كتابة النص التالي في سياق لقاء يهودي / عربي ، ولكنه ينطبق أيضًا بشكل عام على مجموعات النزاع الأخرى

معظم المشاركين، من كلا الطرفين يؤمنون بأن الطرف الآخر يرفض السلام بالرغم من رغبة الطرف التابع له بذلك، أو بأنه "لا يوجد شريك للمحادثات" وبأنه لا يمكن التوصل معهم الى اتفاقية سلام، هذه المفاهيم عادةً ما تجلب اليأس، والى الاعتقاد بأن الحل الوحيد هو انتصار أحد الطرفين وفرض الواقع على الطرف الثاني والقبول به كما هو.

 

وبالرغم من أن بعض المشاركين يصلون الى هذه اللقاءات مع الكثير من حب الاستطلاع ويرون بالآخر على أنه متساو معهم، ولديهم الرغبة في اللقاء والبحث عن حل عادل، ألا أنهم بحاجة الى المزيد من التعلم والتعامل مع الوضع للوصول الى مرحلة تمكنهم من العمل سوياً من أجل هدف مشترك وحياة عادلة وآمنة للجميع.  

ما الذي يحمله المشاركون معهم؟

غالباً ما يصل المشاركون الى مثل هذه اللقاءات لأسباب أو دوافع مختلفة، قد تكون بهدف خلق مستقبل آمن يوفر الراحة والرفاهية للجميع، الا أنّ معظم المشاركين يحملون معهم عادةً مشاعر سلبية كالغضب، الخوف، الأحباط أو مشاعر الكراهية. أحياناً تكون معلوماتهم بالنسبة لأنفسهم أو للآخرين خاطئة وتفتقر الى الحقائق لأسباب عديدة، كالحصول على المعلومات من مصادر محلية أو التعرض لجزء من المعلومات التي تتبع لطرف معين، أو عدم توفر مصادر كافية. عدم توفر المعلومات الكافية، أو عدم التعرض لمعلومات من الطرف الآخر تجعل الرؤية محددة وغير شاملة وغالباً ما تعيق القدرة على فهم الواقع بصورة صحيحة، مما يصعب أيضاًعلى التعامل مع الواقع بطريقة بناءة قد تساعد على جلب التغيير.  

حين نتحدث عن لقاءات مشتركة في شبابيك، نحن نتحدث عن لقاءات تجمع ما بين كلا الطرفين، من كلا طرفي الخط الأخضر. هذه اللقاءات ترافقها عادة العديد من الصعوبات أولاً لكونها لقاءات غير مقبولة الى حد ما من قبل البعض، وغالباً ما يخضع المشاركون لضغوطات اجتماعية بسبب المشاركة في لقاء مع "الطرف الآخر"، هنالك شعور يرافق المشاركين من المجموعتين، وهو بأن كل مجموعة ترى على أنها الضحية وبأن المسؤولية تقع على الطرف الآخر لأنه السبب، هذه المفاهيم تنبع من تجارب ماضية أو من أوضاع حالية مستمرة، قد يكون جزء منها بسبب تجارب حقيقية أو أنه مجرد تعاطف مع تجارب مر بها الآخرون.                                                                                                                 

هنالك حاجة لتفريغ المشاعر التي ترافقنا وترك مكان أو متسع للتجارب الجديدة، الاصغاء التام واحتواء هذه المشاعر من خلال مشاركتها اولاً داخل المجموعة أحادية الهوية ولاحقاً من خلال المجموعة المشتركة.

نقطة هامة علينا التطرق اليها، هي الاعتراف بعلاقات القوة الموجودة بين المجموعتين والتي من الضرورة التحدث عنها لكونها عامل أساسي قد يسهل على مراحل العمل مع المجموعتين. اعتراف المجموعة القوية باحتياجات ومشاعر المجموعة الأضعف يساعد لاحقاً على تعرف المجموعة الضعيفة على المجموعة الأقوى تدريجياً وهذا ما يمكن المجموعة القوية بالتعرف على المزيد من المشاعر والاحتياجات لدى المجموعة الأضعف.

 

هذه العملية تحدث بشكل تدريجي ولولبي، فالاعتراف بعلاقات القوة يتيح الفرصة أمام المجموعتين برؤية الواقع بشكل أوضح خاصةً وأنه غالباً ما ترى كل مجموعة بنفسها الضحية. لذلك فأن تعزيز المجموعات من خلال البرنامج يساعدها على  التحرر من هذا الشعور وتبدأ عملية الانتقال من الأحساس الوهمي بأنها "ضحية" الى الشعور بأخذ المسؤولية على عملية التغيير. 

ما هي النتائج التي نطمح في الوصول اليها؟

الهدف من وراء البرنامج هو، أن يصل المشاركون الى مرحلة يستطيعون من خلالها امتلاك الآليات، الدافعية والمسؤولية على البحث عن المعلومات بشكل أعمق بالنسبة لكل ما يحدث من حولهم، العمل معاً أو بشكل انفرادي، من أجل حياة مشتركة وعادلة للجميع.         

كيف يحدث التغيير؟

التغيير الجذري للوضع القائم، غالباً لا يحدث كنتيجة لتجربة واحدة ووحيدة، أياً كانت. التغيير يحدث عادة في آن واحد وبعدة مستويات، بشكل لولبي ولمدة طويلة من الزمن. وقد تختلف النظريات بالنسبة لموضوع اللقاءات بين مجموعات الصراع، فالبعض يؤكد على أن اللقاء بحد ذاته قد يكون سبباً في التغيير، وآخرون يرون بأنه هنالك ضرورة لمشاركة المشاعر والمعلومات. نحن نؤمن بأن عملية التعلم تتم على مراحل ومن خلال التعمق بالمواضيع وفهم الوضع السياسي والاجتماعي بشكل دقيق، كما ونؤمن بأنه هنالك حاجة ضرورية بمرافقة المشاركين ومن خلال برنامج طويل المدى. عملية التعلم تتم من خلال تفكير مبدع وناقد وبمساعدة أدوات تمكن المشاركين من تفريغ مشاعرهم خلال اللقاءات، فهم ما حدث خلال  اللقاء ومعالجة الأمور كما يجب والتحضير للقاء القادم. هذه اللقاءات تحتاج الى الوقت الكافي لكي تتم، وعلينا أن نعي جيداً بأن المشاعر غالباً ما ترافقنا بين اللقاءات وليس بالضرورة خلال اللقاء ذاته.

بعض الصعوبات التي قد تواجه المشاركين هو انتمائهم لمجموعة قومية - والتي يعتبرها المشاركين مجموعة ذات أهمية ينتمون اليها ويؤمنون بها - تقوم بأعمال تتنافى مع المبادئ والقيم التي تعلن عنها.في المراحل الاولى يحاول المشاركون اللجوء الى الدفاع عن المجموعة من خلال التمسك بمبررات هم متأكدون منه، والتي تساعد في الحفاظ على الثقة داخل المجموعة القومية. في المراحل المتقدمة، بعد الحصول على معلومات اضافية وجديدة، تستطيع المجموعة فهم الواقع أو الماضي بصورة أفضل وأعمق، الحاجة في اللجوء للدفاع عن مواقفهم، أو استخدام المبررات تخف تدريجياً وتصبح غير ضرورية من أجل الحفاظ على الثقة، وقد تتحول المجموعة الى مجموعة تدعم اعضائها، ولو لفترة زمنية مؤقتة، مما يساعد على التخفيف من حدة الشعور بالضياع، عدم الوضوح، الغضب، الاحباط، الخذلان وغيره.

عملية التعزيز تشمل مراحل الاستفسار حول الهوية، فهم وتوضيح لمعنى القيم، تعزيز مهارات التعبير والتواصل، الكشف عن المشاعر والاحتياجات، تطوير آليات تساعد على اتخاذ القرارات وايجاد الحلول للصراعات، التعرف على مصادر المعلومات وفهم مدى تأثيرها. عندما يتم التعزيز من خلال العمل داخل مجموعة أحادية الهوية، فهو يتم بشكل آمن. وهنالك أهمية كبرى في أن تمر المجموعة ببرنامج التعزيز قبل اللقاء المشترك، فخلال اللقاء المشترك تبحث كل جهة عن كيفية الدفاع عن نفسها، مما يثير الارتباك لدى المشاركين وقد يعيق الأمر عملية التطور الذاتي.

 أحد الأمور الذي يساعد او يخفف أحياناً من هذه العملية، هو أن يتم اللقاء بين المجموعتين على شكل أفراد، أي أن يكون التعارف على المشاركين كأفراد وليس فقط كأشخاص يمثلون المجموعة التي ينتمون اليها، وغالباً هم معارضون للتيار المركزي لمجموعتهم القومية.بناء الثقة على الصعيد الشخصي، يساعد المشاركين في التعرف على التيار المركزي بشكل تدريجي، في حين أن وجود مجموعة تمثل التيار المركزي في المجتمع، والذي يعتبر ، فأن مراحل العمل تكون أطول الا أنها تتيح المجال أمام المشاركين في التطرق الى مواضيع معقدة وذات حساسية معينة، والتي يصعب أحياناً على المشاركين أصحاب الآراء المعتدلة طرحها أمام المجموعات.

ان فهم مراحل التطور الشخصية، الاجتماعية والسياسية هو ما يساعد المشاركين على رؤية المجموعة التي ينتمون اليها بشكل أعمق وأوسع، فهم الأسباب والتطورات التي أدت الى الوصول للوضع الحالي وأخذ المسؤولية بهدف التغيير داخل المجتمع، من أجل الوصول الى الأهداف، القيم والمبادئ التي تطمح اليها المجموعة.                   

 احدى مهام توجيه المجموعات، هو بأنه خلال هذه المرحلة التي يمر بها المشاركون، بامكانهم التعمق في فهم ما يدور لدى مجموعة الهوية التي ينتمون اليها، كالعائلة أو المجتمع القريب، توجيه النقد من خلال التعاطف مع المجتمع وليس بهدف الحكم. 

bottom of page